طريق الجحيم غالبا مايكون مفروشا بالنوايا الحسنة !
بقلم : نبيل قسطندى قلينى
هناك قول مأثور يذكرنا بين الفينة والأخرى بأن طريق الجحيم غالبا ما يكون مفروشا بالنوايا الحسنة.
مضمون هذا القول جدير بأن نستحضره في سياقنا الحالي، ونحن نسمع الخائفين على الديمقراطية والخائفين على الوطن والخائفين على حقوق الانسان، يتسابقون في ابتكار المبررات التي تسوغ لهم تحصين كل هذه المخاوف، ولو بتفريط قليل أو كثير في الأسس والمبادئ التي تقوم عليها دولة القانون التي هي حلمنا المشترك .
سأركز هنا على مظهر واحد من مظاهر دفاع بعض الديمقراطيين عن الديمقراطية وهو مظهر محاكمة النوايا المنتهج في مواجهة من يعتبرونهم خصومهم الايديولوجيين .
لا أعتبر ان الاصرار على محاكمة النوايا سيسهم في تطوير خطابنا السياسي، لقد تعودنا، لأسباب ايديولوجية فحسب، على اتهام خصومنا الايديولوجيين بكونهم معادين للديمقراطية، والتشكيك في نواياهم مع سبق الاصرار ودون انتظار ظهور اي دليل.
لنفترض جدلا ان مزاعمنا بمعاداة البعض للديمقراطية صحيحة، وأنه سيأتي لا محالة يوم يجهزون فيه عليها بلا هوادة، هل الحل هو ان نسبقهم نحن الى الاجهاز عليها بدعوى حمايتها، ام ان نوطد أركانها من داخل قواعد اللعبة الديمقراطية نفسها؟ لا شك ان الجواب المعقول واضح.
لا توجد ديمقراطية في العالم غير مهددة في الشكل او في الصميم، الديمقراطية ليست ابدا مكسبا نهائيا ومحسوما ومخاطر انهيارها قائمة باستمرار، وتوجد بين ايدي الجميع، لا فرق في ذلك بين هذا الطرف او ذاك، إذ يمكن الانقضاض عليها من أي جهة بمبررات مختلفة.
لا يوجد ديمقراطيون بالجبلة، هذا وهم لأن الديمقراطية ليست ابدا حالة طبيعية في الجماعات البشرية، بل مجرد حالة مصطنعة ثقافيا، نتيجة توازنات هشة، وهي قابلة للتقهقر في كل لحظة، وما حدث مرارا في التاريخ يؤكد هذه الحقيقة.
لذلك سيكون من المفيد ان نستوعب ان مسئولية الحفاظ على التوازنات المنشئة لحالة الديمقراطية، هي دوما مسئولية تقع على عاتق كل اطراف المشهد السياسي، من خلال الحراسة المتقابلة والدائمة لأركان اللعبة، وترميمها وتحصينها ضد الانهيار، وإشاعة القيم الضامنة لها في أرجاء المجتمع وتخومه القاصية والدانية. وهذا يمر حتما عبر توطيد التعاقدات والحرص على احترامها والتمسك بها في حد ذاتها، وليس فقط حين تكون في صالحنا، كما يحصل الآن.
حالنا الحقيقي هو أننا ليس لنا نفس ديمقراطي طويل، نحن سريعا ما نتبرم من قواعد الديمقراطية، ونسهل النكث بها بلا مواربة، وبرخاوة متناهية،ونتنافس في البحث عن كل المبررات التي تسوغ لنا ان نكون سباقين الى اغتيالها.
هل سنكون بريئين من تهمة الإجهاز على الديمقراطية ونحن ننوي فقط حمايتها من الغيلان التي تتربص بها ؟