عبادة الشكر:
ـبقلم الاستاذالدكتورعلاءااحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا
ـ هي من أعظم العبادات، بل هي العبادة التي ينال بها المؤمن رضا الله، قال تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}، وربط الله التعبّد بالشكر، فقال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، وجعله الله الشكر لصاحبه من النار، قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}، كما جعله سببا لزيادة الخير، قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، وأكّد ربنا أن الشكر لا ينفع إلا صاحبه، فقال تعالى: {ومَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}.
ــ وأول مراتب الشكر إدراك النعم، ومن مُنسِيات الشكر اعتياد النعم، ومن نِعَم الله علينا مضاعفة ثواب أعمالنا، الحسنة بعشرة أمثالها فأكثر، فصيام رمضان وستة من شوال كصيام العام، بل إن صيام رمضان مع صلاة سنة كاملة أعلى في الثواب من الشهادة في سبيل الله، فهنيئا لكل من أتم الله له صيام رمضان وقيامه، فوجب عليه الشكر لله.
ــ والشكر له مظاهر كثيرة، فيكون بالدعاء، ومنه دعاء إبراهيم وإسماعيل بعد رفع قواعد الكعبة {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .. وتبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم}، ودعاء سليمان {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عليَّ وعلى والدي}، ودعاء النبي بعد الصلاة “اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”، ويكون الشكر بالذكر خصوصا عقب العبادات، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ}، وقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، وقال تعالى: {ولتكبّروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}.
ــ ويكون الشكر بالعمل الصالح، وهو سمة قلة من المؤمنين، سمع عمر بن الخطاب رجلا يدعو فيقول: اللهم اجعلني من القليل، فسأله: من القليل؟ فأجاب: ألم تقرأ قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، فقال: كلكم أفقه من عمر! وخير مثال له رسول الله، فقد كان يكثر من التهجد حتى تورمت قدماه، فَقَالَتْ السيدة عَائِشَةُ: “لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فقال: أفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورا”؟! ومن أهل الشكر بالعمل أبوبكر، فقد سأل النبي صحابته: “من أصبح منكم اليوم صائما؟ فقال أبوبكر: أنا، فقال النبي: من تبع منكم اليوم جنازة؟ فقال أبوبكر: أنا، فقال النبي: من أطعم منكم اليوم مسكينا؟ فقال أبوبكر: أنا، فقال النبي: من عاد منكم اليوم مريضا؟ فقال أبوبكر: أنا، فقال النبي: والله ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة”، وسأل شاب رسول الله أن يكون رفيقه في الجنة، فأجابه النبي بقوله: “أعنّي على نفسك بكثرة السجود”.
ــ داوموا على الطاعات شكرا لله، فصيام يوم في سبيل الله يبعد وجه صاحبه عن النار مسافة سبعين سنة، وركعتان في جوف الليل خير من الدنيا، والتصدق بتمرة يقي صاحبه حرارة جهنم، وأفضل الطاعات فعل الخير للناس، ففي الحديث “أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سُرُورٌ تدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ تكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ تقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في مسجدِي هذا شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ”.
ــ وقد حذَّر الله من الرجوع إلى المعاصي بعد الطاعات، فقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}، وهي امرأة حمقاء في مكة، كانت تظل طول اليوم تَغْزِلُ خُيُوطَهَا بِإِحكَام، حتى تنتج غزلا قويا يسرّ الناظرين، وفي آخر النهار تهدم ما غزلته، فهي تغزل ثم تنقض غزلها، وقيل: هذا مثال ضربه الله للذِين يفعلون الخير والطاعات ثُمَّ يعودون للشر والمعاصي وللذين ينقضون عهودهم، فيجب أن يكون المؤمنون أوفياء بفعل الخير والطاعات والعهود، ولا ينقضوها، فاتقوا الله في أعمالكم، واشكروا الله على تيسير طاعاتكم، فالطاعة نعمة وتيسيرها فضل من الله، والتَّحَدُّثُ بها شكْر، فمَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ، فقولوا: “لا إله إلا أنت سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك”، وأهم شيء صلاح القلوب، فصلاحها يجلب الخير لأصحابها، قال تعالى: {إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا}.