عميان القلوب .
كتب روؤف جنيدي
وأعمى القلب هذا أو بالأحرى فاقد القلب . يختلف كثيراً عن فاقد البصر الذى نكن له كل تقديرٍ واحترام . فالأخير لايرى الأشياء فقد يطأها أو يتعثر فيها . ترشده فى ذلك عصاه فى أن يتحسس بها طريقه . أو أن أحداً قد يساعده فى تخطى العثرات وتفاديها . بينما أعمى القلب أو فاقده لا يرى المشاعر ولا الأحاسيس فيطأها ويطويها طى قدميه فى طيشٍ ورعونةٍ . ولا تنفع معه بالطبع عصاً يتحسس بها مشاعر الناس . أو أن يقوده أحد ليتفاداها .
فيعربد كما العربة التى تلفت فراملُها . تاركاً الناس يتألمون ويتضررون فى صمت . يمنعهم كبرياؤهم من الشكوى . ولا يجدون حفظاً للكرامة وملاذاً من الذل إلا فى الشكوى إلى الله .. فقد طالعنا واقعنا للأسف بمجموعة من هؤلاء الذين فقدوا كل معانى الإنسانية . وتركونا نتلفت يميناً ويساراً متسائلين فى دهشة : أين نحن . ومن هؤلاء . وما هذا الذى يحدث من حولنا ؟.
_ فتلك إطلالات الجونة السافرة خُلُقاً وسلوكاً والتى تباهت فيها صاحباتها بأسعار مقتنياتهن من فساتين وشنط وأحذية . ذات الأرقام فلكية . فضلاً عن التباهى بلحمهم الرخيص من قبل ..
_ وهذا ممثل قد علق على صدره عدداً من السلاسل بل الجنازير الذهبية . وراح يتلوى فخراً وتيهاً كلما صعد أو نزل من طائرته . أو حام فى زهوٍ وخيلاء حول سياراته الفارهة .
_ وهذة ممثلة تُلتقط لها الصور داخل طائرة زوجها وهى تكاد تنفجر كبرياءً واستعلاءً
_ وهذا يتفاخر بسيارته المطلية بالذهب .
_ وهذة ممثلة ترصد مكافأة مالية تعيش عليها أسرةٌ كاملة لمدة ثلاثة شهور . لمن يعثر لها على كلبها الضائع ..
_ وهذة مذيعة تحث الناس على شراء أراضٍ وعقارات فى
مدينة العلمين الجديدة فقد اشترت هى وزوجها وأصدقاؤها .. فلا أدرى من هؤلاء الناس التى تخاطبهم ؟! .
_ وهذا رجل الأعمال الذى يتحدث عن مصاريفه اليومية فيقول للمذيعة أنه من باب التدبير لا يتناول خارج البيت إلا وجبةً واحدة وهى وجبة العشاء بتكلفة أربعة آلاف جنيهاً ..
_ وتلك إعلانات شراء وتملك الشقق فى العاصمة الإدارية الجديدة يُعلَن فيها عن أرقام قد تُفقد مستمعيها صوابهم ورشدهم . حتى بات الناس يسخرون من حالهم كما الطير الذى يرقص مذبوحاً من الألم ..
_ حتى إن تحدث أى مسؤولٍ عن زيادةٍ تقررت على سعر سلعةٍ ما . تراه يزُف الخبر على الناسِ منتشياً متباهياً وكأنه فتح عكا أو أتى بما لم يأت به الأوائل .فلا كلمة رثاء قبل أن يصفع . ولا ذكر اسم الله قبل أن يذبح !!! .
للأسف : إختفت تماماً ملامح التواد والتراحم من المجتمع . وباتت القسوةُ وفظاظة القلب هى عنوان كل معاملاتنا . وهو ما حدا ببعض الناس أن يتندروا بفعلةِ خيرٍ أو معروفٍ وكأنهم يرونه لأول مرة . مرددين مقولة طالما قرأتها ( ماذا بينك وبين الله كيف تفعل كذا ) . فإن رأوا ضابطاً يصلى قالوها .. وإن رأوا رجل مرورٍ يساعد مسناً فى عبور الطريق قالوها .. وإن رأوا شاباً ترك مقعده لعجوزٍ داخل إحدى وسائل المواصلات قالوها .. هل صارت الصلاة عملا نتندر به ؟! .. هل صار المعروفُ عملاً نتمناه ؟! . هل صارت الشهامة من الآثار النادرة ؟!! .
ياهؤلاء : نسأل الله أن يبارك لكم فيما أعطاكم .. ونسألكم أيضاً : كفاكم وطئاً لمشاعر الناس . كفاكم عربدةً فوق أحاسيسِهم . كفاكم سَحقاً لأوجاعِهم وآلامِهم . كفاكم نكئاً لجراحهم .. قد يقبل الفقير فقره ويتحمله . ولكنه لم ولن يقبل أو يتحمل أبداً من يُقلِّب عليه أوجاعَه . صحيح : أن فى قاموس الله غنىُ وفقير وهو قضاءٌ مسلمٌ به . ولكن ليس فى قاموس الله أن يُهين الغنى مشاعر الفقير فى غلظةٍ وتفاخر بما يملك .
ثم بعد كل هذا يتباهى نجيب ساويرس أن القافلة تسير : لعن الله قافلتكم ياسيدى التى لا تستحق حتى نُباح الكلاب
.
وتسأل الهام شاهين مَن استاءوا مِن هذة المشاهد والسلوكيات : من أنتم ؟! …
فأنا ياسيدتى : الفلاح فى حقله . وأنا الفنى فى مصنعه . وأنا عامل النظافة فى شارعه . وأنا المدرس فى مدرسته . وأنا الشيخ فى محرابه . وأنا المهندس فى موقعه . وأنا الطبيب فى مستشفاه . وأنا الأستاذ فى جامعته . وأنا الضابط فى ميدانه . أنا المصري الأصيل الذى مازال متمسكاً بقيمه ومبادئه . والذى على عهد الأصالةِ باقٍ . فليست مصر هى الجونة ياسيدتى . ولكى تروْنا : علموا ضمائركم أن تفيق . وعلموا قلوبَكم أن تُبصر .
فلن ترونا بأعينِكم
ولكن ترونا بقلوبكم إن هى أبصرت .