في عمق الدنيا
بقلم: محمد ازهري
إذا بدأت في قراءة القصة، لابد عليك أن تجيب على السؤال الموجود أدناها وبصدق.
ذات يوم عاد شاب من عمله منهمكاً من المجهود الزائد الذي يبذله في عمله، والذي يطلبه مديره منه كي يستمر في عمله، وكان هذا الشاب في غاية الحزن والضعف الشديد بسبب عدم قدرته على التغيير في واقعه المرير.
ذهب إلى سريره واستلقى على ظهره باكياً حزيناً، ثم غلبه النوم من دون أن يغير ملابسه، فرأى نفسه في حلم على متن قارب صغير في أحد المحيطات بمفرده، ليس أمامه ولا خلفه ولا عن يمينه وشماله إلا الماء وهو يبكي بشدة ويصيح بأعلى صوته ما الذي جاء بي إلى هنا وأين أنا؟
ويدعواْ ربه وهو يبكي (يا رب النجدة يا رب).
وبعد أن هدأ قليلاً سمع صوت ضجيج عالياً يأتي من تحت قاربه فاشتد رعباً، وأخذ الصوت يذهب ويأتي مرة أخرى، فقال لنفسه: لابد من معرفة ما هذه الأصوات التي تأتي وتذهب، فأخذ نفساً عميقاً وأنزل رأسه في الماء ونظر، فرأى نفسه في عمق الدنيا وهو يطير بجناحين من بلد إلى أخرى، ومن مدينة إلى مدينة متفقداً أحوال الناس، حزيناً على أحوالهم بسبب الاستبداد والظلم الواقعون فيه، والذي بسببه تقوم الحروب ويموت الناس بسبب الرغبة في السيادة وغيرها من أسباب، فوقف يبكي بسبب عدم قدرته على رفع الظلم عن الناس ونصرة الحق، وهو ينادي بأعلى صوته لِمَا الظلم أيها الناس، اتقوا الله في أنفسكم وفي بعضكم، ولكن لا أحد يسمعه أو يراه، ثم ازداد بكائه وجلس على الأرض
فجأة ظهر من بعيد رجل عجوز قد بلغ من العمر التسعون عاماً، اقترب منه وقال له: إنك لم ترى شيئاً حتى الآن، هناك الكثير والكثير من الظلم، فقام الشاب وسأل الرجل المسن: هل تسمعني وتراني يا عماه، فقال له الرجل: كيف لا أسمعك ولا أراك وأنت أنا، وأنا أنت وقد جئتك لكي اقول لك أن هذه الدنيا قاسية، وإياك والاستسلام لها، وإذا أردت أن تغير فيها وترفع الظلم عن المظلوم، فعليك برفع الظلم عن نفسك أولاً، واعلم جيداً بأنك مسؤول أمام الله إذا جاءتك الفرصة لرفع الظلم عن الناس ولم ترفعه عنهم، ولكن أود أن أطرح عليك سؤالاً، فقال الشاب: نعم تفضل، فقال له الرجل المسن: ماذا وإن كان في رفع الظلم عن الناس إيذاء لنفسك، هل ستستمر في رفع الظلم عنهم أم ستتوقف؟ فأجابه الشاب: أنا لا أريد أن أجلب الضرر لنفسي، فقاله له العجوز: إذاً ستموت وأنت تحاول أن ترفع الظلم عن نفسك ولن تستطيع النجاة، حتى ما دمت تفكر في نفسك فقط، واعلم بأن الظلم دائماً ما يخشى الذين يدافعون عن حقوق المظلومين.
وفجأةً سقط العجوز متوفياً، وإذا بأم الشاب تفيقه (هيا استيقظ، فقد حان وقت العمل، ولماذا لم تُغير ملابسك منذ أمس)
فقال لها: لقد غلبني النوم يا أمي
هنا انتهت القصه وعلم الشاب ما عليه فعله، ولكن السؤال الذي سأطرحه عليك أيها القارىء الكريم، هو السؤال نفسه الذي طرحه العجوز على نفسه وهو شاب، وبماذا سوف تجيب؟