قصة صغيرة «أمل»
بقلم عزة إسماعيل
أمل، إنه اسمٌ يشبهُ وردةً بيضاء لا تتفتحُ سوى في ظلام الليل، كضوءٍ خافتٍ من النورِ بعد انقطاعه، هكذا كان يراني أبي لذلك أسماني أمل، كان يراني ضوءَ الأمل الوحيد بعد رحيل أُمي أو هكذا أخبرتني جدتي، فهو لم يكن بذلك الأمل حقًا فقد مات حزنًا بعد وفاة أُمي بشهر، أي بعد انقضاء شهر ولادتي الأول ربما كان يراني السبب في موتِ أُمي لذلك أسماني أمل؛ أي لكي ينفي الأمر في قرارةِ نفسه لا أعلم.
أودعتني جدتي بملجأ للأيتام بعد وفاة والدي مباشرةً، وكانت حُجتها الوحيدة أنها أفقرُ من أن تستطيع الاعتناء بي أي أنها كانت بصحةٍ جيدة لعناية رضيعة لكنها فقط لا تمتلكُ المال.
لم أقتنع بذلك السببِ حقًا كان يُمكنها تدبر الأمر بطريقةٍ ما، فقط ربما هي أيضًا لم تستطع أن تُحبني.
أتذكرُ تلك المرة التي أخبرتني بها جدتي أنهم اتصلوا بها من الملجأ ليخبروها أنني ضائعة، في ذلك اليوم صباحًا تنمر على بعض الأطفال في الملجأ أخبروني أنهم لا يحبونني وأنني أبدو قبيحة؛ ذلك لأنني وحيدة وليس لأنني سيئةُ الملامح.
وعند الظهيرة عندما ذهب الجميع لتناولِ الطعام بكيتُ كثيرًا، أنا حتى لم أرى أُمي أبدًا لكي أتمني أن تكون بجواري الآن لا أعلم هل كانت ستحِبُني هي أيضًا أم لا، أنا وحيدةٌ حقًا منذُ الولاده لم يُخطئوا عندما أخبروني بذلك.
لم أُرد رؤية أحد بعد عودتهم من الطعام؛ لذا تسللتُ في هدوءٍ إلي القبو وهناك وجدتني جدتي وصاحبةُ الملجأ؛ فقد نِمتُ هُناك بعض الوقت مِن ثَم جلستُ أبكي أمام لوحةٍ قديمة هُناك.
اقتربت مني صاحبةُ الملجأ وسألتني إن كان يُخيفُني صاحبُ العين الواحدة الموجودِ باللوحة؛ لكي تضربهُ من أجلي.
لكنني صرختُ بها بشدة، وأخبرتُها ألا تؤذيه؛ لأنني أُشفقُ عليه لأن لا أحد يُحبه وهو وحيدٌ تمامًا، مثلي أنا.
كان كلُ هذا على مرأى من جدتي لكنها لم تُحرك ساكنًا.
اليوم مر إسبوعان على بلوغي الثامنة عشر من عمري، كان من المفترض أن أكون قد غادرتُ الملجأ لكن الانتهاء من أوراق الخروج الخاصةِ بي تأخر بعض الوقت، سأغادر غدًا صباحًا وأذهبُ إلي جدتي، أنا سعيدةٌ جدًا، ربما لا تُحبُني كثيرًا أو ربما أحبتني لا أعلم لكنني سأعمل جاهدةً على كسب حُبها ومودتها، رُبما وأخيرًا سأشعرُ ببعض الدفء، أتمنى أن يأتى الصباحُ بسرعة.
«في اليوم التالي»
أخذتُ حقائبي وسرتُ متجهةً إلى عنوان جدتي الذي أخذته من الملجأ، وصلت إلى المنزل وصرتُ أنظرُ إليه ببعض الأمل، كانت المرةُ الأولى حقًا التي أشعر فيها بهذا الشعور منذُ ولادتي، طرقتُ الباب بخفة أخافُ أن تكونَ نائمة فأوقِظها.
_صباحُ الخير.
_صباحُ الخير، هل السيدةُ إيلانا هُنا؟
_تقصدين السيدة العجوز التي كانت تسكُن هُنا؟
_ماذا! هل رحلت!
_في الواقع لقد سافرت منذُ أسبوعٍ إلى أستراليا وباعت لنا هذا البيت، يبدو أنكِ حفيدتُها أمل.
_أجل أنا هي.
_في الواقع لقد تركت لكي هذة الرسالة قبل رحيلها.
_شُكرًا لك.
رحلتُ من أمام المنزلِ وأنا أشعرُ بقلبي يتفتت، لا أستطيع شرح هذا الشعور أهو حزن أم خُذلان لكنه كان مختلفًا تمامًا، فتحت الرسالة؛ لعلي أجد قشةً أخيرة لأتعلق بها، لعل القدر لا يقسو على فقط لأنني شعرتُ ببعض الأمل.
«أمل عزيزتي، لقد تأخرتِ كثيرًا حتى خرجتِ من الملجأ، انتظرتُكِ أُسبوعًا كاملًا كنتُ قد ادخرتُ بعض المال في السنوات الماضية من أجل أن أُسافر، كنتُ سأخذُكِ معي لكنكِ تأخرتي، أرجو أنكِ صرتِ شابةً الآن وتستطيعين الإعتماد على نفسك، إلى اللقاء».
الآن أيقنتُ تمامًا أنها لم تستطع أن تُحبني أبدًا.
ظللتُ أسيرُ بدونِ هُدى، لا أعلمُ إلى أين أو لمن، لقد أظلمت جميعُ الطرُق. أثناء سيري اصطدمتُ بأحدهم واعتذرتُ منه، لكنه تجاهل الأمر ونظر إلى بغِلظة من ثَم ذهب، تمامًا كما فعلت جدتي.
كنتُ أنظرُ إلى المارةِ بشرود، ثم أبصرت شيئًا معلقًا على أحد المطاعم، يبدوا أنهم يحتاجون إلى عاملةِ تنظيف للأطباق، رُبما وبطريقةٍ ما ظهر خيطٌ رفيعٌ من الأمل في وسطِ تلك الطرقِ المظلمة.
_مساءُ الخير، لقد رأيتُ الإعلان أريدُ أن أعمل لديكم في تنظيف الأطباق إن أمكن.
_ستجدين مكتب المدير في آخر الممر يمكنُكِ الحديثُ معه.
_شكرًا لك.
وصلتُ نهاية الممر وأنا خائفةٌ أن تكون نهايته مظلمة، مثلما يحدثُ دائمًا، طرقتُ الباب بِهدوء..
_أُريدُ العمل لديكم في تنظيفِ الأطباق إن أمكن.
_ما هو دافِعكِ للعمل.
_لقد أتممتُ الثامنة عشر اليوم، ولا أملكُ مالًا.
_هل لديك مسكن؟
_لا.
_حسنًا يمكنكِ البدءُ من الآن، إياكِ وارتكاب أي خطأ، يمكنكِ المبيتُ في المطبخِ ليلًا حتى تحصلي على منزلٍ خاصٍ بكِ.
_شكرًا جزيلًا لك يا سيدي.
بدأتُ العمل في ذلك اليوم كان شاقًا جدًا، تعرفتُ على آلين زميلتي في العمل، هى أيضًا نشأت في ميتم لكنها أتمت الثامنة عشر منذُ عامين، إنها لطيفةٌ معي للغاية، ترى أيمكنُ أن تُحبني؟
عملت ثلاثة أشهرٍ في ذلك المطعم، كان كلُ شيءٍ على ما يُرام على غير العادة، عدا أن العمل كان شاقًا جدًا، لكن الخبرُ الجيد أنني قاربتُ على اكتمال المبلغ الذي أحلمُ به إنه مبلغٌ جيد أستطيعُ به أن استأجر بيتًا لي.
وفي أحد الأيام استيقظتُ علي صوتِ صراخٍ وضجةٍ عارمة.
_أين هي أمل؟
_نعم يا سيدي أنا هُنا.
_ما هذا الذي فعلتِه.
_ماذا تقصدُ يا سيدي، لم أفهم.
_لقد كسرتِ عشرين طبقًا، لِما فعلتِ ذلك، هل جُننتِ!
_كيف ذلك، أنا لم أفعل شيئًا.
_ماذا تفسرين كل هذة الأطباقِ المكسورةِ إذًا؟
كما أنه لم يتواجد غيرُكِ في المطبخِ أمس، حتى آلين كانت في إجازة.
_لكنني حقًا لم أفعل ذلك.
_اذهبي من هُنا أنتِ مطرودة.
_سيدي أرجو..
_قلتُ لكِ ارحلي من هُنا.
_ماذا عن راتبي!
_إن ثمن الأطباق التي كُسرت أكثرُ بكثيرٍ من راتبك، هيا ارحلي من أمامي.
خرجتُ من هُناك وأنا أحمل حقيبتي لقد خسرتُ العمل، المال والمنزل الذي كنت أحلمُ به.
_أمل، انتظري يا أمل.
_آلين أهذه أنتِ! ماذا هُناك.
_أودُ الحديث معكِ هذة الليلة بعد أن انتهي من العمل، أودُ الحديث إليك في أمرٍ ما.
_حسنًا أين سنلتقي؟
_يُمكنُنا الحديث في الحديقةِ المتواجدة في مُنتصف المدينة.
_حسنًا، سأنتظرُكِ هناك مساءً.
_اتفقنا.
توجهتُ إلى هُناك مُباشرةً ففي كل الأحوال ليس لدى مكانٌ آخر، سأنتظرُ هُناك حتي المساء.
كان الجو باردًا، كنتُ أرتدي سترة هشة، لكن روحي كانت أكثر هشاشة، بينما كان البردُ يخترقُ سُترتي، كان الألمُ يفعلُ ذات الشيءِ في قلبي، ظللتُ هكذا شاردةً دون طعامٍ أو دفيء حتى المساء.
«في المساء»
_مرحبًا أمل، أرجو أنكِ لم تنتظريني كثيرًا.
_لا بأس أنا هُنا منذُ الصباح.
_أنا أسفة، أسفةٌ جدًا يا أمل أنا مَن فعلتُ ذلك.
_ماذا تقصدين؟
_أنا مَن كسرتُ الأطباق، ليتم طردُك.
_لكن لماذا؟
_لقد أخبرتُكِ أنني أقطنُ في أحد المنازل أنا وابنةُ عمي، لكنها طُردت من العمل كان يجبُ أن أجد لها عملًا؛ وإلا لن نستطيع دفع إيجار المنزل.
_لكنكِ تعلمين أنني في أمس الحاجة لهذا العمل!
_أنا اسفةٌ حقًا، أرجو أن تسامحيني.
قالت ذالك ثُم رحلت دون انتظار جوابٍ مني، أيعقل أنها لم تستطع أن تُحبني هي أيضًا!
شعرتُ أنني أرتجفُ من البرد فذهبتُ من الحديقة إلى أحد الأزقةِ الجانبية؛ لأحتمي من السقيع.
لكن ارتجافتي لم تكن من البرد، بل كان داخلي يبكي.
استندتُ إلى جدارِ بيتٍ قديم وظللتُ أبكي، أبي وجدتي وحتى ألين لم يُحبني أيٌ مُنهم، ترى هل ماتت أُمي قبل أن تراني لأنها لم تستطع أن تُحبني هي أيضًا!
«وظلت أمل تبكي بكاءًا مريرًا وهي تستندُ لذلك الجدارِ القديم حتى غطت في نومٍ عميق، لكنها لم تستيقظ مُجددًا».