كليات الاداب وخدمة المجتمع
بقلم ا.د/محمد توفيق
قدرت الأقدار ان اكون وكيلا لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة فى احدي كليات الآداب وما ان تقلدت هذا المنصب حتى جال بخاطري سؤال مفاده ماذا يمكن ان تقدم كليات الاداب للمجتمع؟ وماذا يمكن ان يقدم المجتمع لها ؟ وفى هذه السطور سأحاول جاهدا الاجابة على الشق الأول من السؤال على أمل تقديم الاجابة عن الشق الثاني منه فى تغريدة اخري
. ومما جعلتى اكتب عن ذلك ودفعنى دفعا له هو : ان لدي البعض عقيدة ان كليات الاداب ليس لديها ما تقدمه لخدمة المجتمع بشكل واضح اى انها كلية ليست خدمية كما هو الحال بالنسبة لكليات المجموعة الطبية – طب بشري وبيطري وتمريض – وكليات الزراعة والهندسة وغيرهم من الكليات المشهود لها بذلك
وقد يعزي هذا الانطباع ومازال يغذيه حتى الان اعتبارين لا ثالث لهما الاعتبار الاول مرده الى القائمين على راس العمل بكليات الاداب وتحديدا وكلاء الكليات المختصين ، والاعتبار الثاني مرجعه الى خلفيات بعض متخذي القرار عن طبيعة كليات الاداب والدراسة فيها وهم فى ذلك لا ذنب لهم ولكن السبب يكمن في بعض السلف ممن انتسب لكليات الآداب وتقصيرهم فى عرض وتسويق ما تملكه كلياتهم من جدارات ومهارات ومعارف يمكنها ان تسهم فى خدمة المجتمع
وقبل ان اعرض لما يمكن ان تقدمه كليات الاداب لخدمة المجتمع فلابد اولا تحديد حلقات وابعاد هذا المفهوم “المجتمع” المكانية ؛ وعن ذلك نقول ان مجتمع اى كلية يمكن ان يتمثل فى : مجتمع داخلي جدا ، ومجتمع داخلي ، ومجتمع خارجي ومجتمع خارجي جدا ، وبالنسبة للأول فهو داخل اطار الكلية ، والثاني تمثله الجامعة ، والثالث المحافظة التى تقع فى اطارها الكلية او احد مراكزها ، والأخير هو خارج المحافظة وقد يضيق ليكون حكرا على الدولة او الاقليم الجغرافي المحيط بالدولة وقد يتسع ليغطي العالم باكمله
والان جاء توضيح دور كليات الاداب فى خدمة مجتمعها ودعك مما تقدمه هذه الكليات من خريجين سواء من حريجي المراحل التعليمية الاولي اوخريجى مراحل الدراسات العليا لمجتمعاتها فى مجالات اللغات والتاريخ والجغرافية والعلوم الاجتماعية والنفسية والاعلامية والمكتبات وما لهؤلاء من دور تعليمى وبحثي يصعب انكاره – ولكن للننظر الى الدور الاخر وهو الدور الخدمي – الذي تقدمه ويمكن ان تقدمه هذه الكليات الانسانية الى مجتمعاتها واولى هذه الادوار واهمها على الاطلاق انسنة المجتمعات وهو مايعد جناح من اهم اجنحة رقى الشعوب وتحضرها واستقرارها ؛ ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم العديد من القوافل والندوات التنويرية والدعوية والتوعوية والتثقيفية لمختلف فئات مجتمعاتها
ومن لهوية المجتمع وشخصيته وتاريخه ووعيه مكونا وراعيا غير كليات الاداب فهي تؤرخ له وتروي انتمائه وتهذب وعيه وتكون شخصيته
كما يمكن ان تسهم كليات الآداب فى البعد الاجتماعي والنفسي اسهاما ملحوظا من خلال اقسامها المعنية بذلك وذلك من خلال مسحها ورصدها لكافة مشكلات المجتمع البشرية وتحليلها وتفسيرها ووضع حلول لها.
ومن خلال تخصصات اقسامها المتعددة التى تغطي جوانب عديدة يمكن ان تقوم كليات الآداب باعداد موسوعات علمية عن المحافظة التى تنتمي اليها فيها تسجل وترصد وتحلل وتستشرف واقع المحافظة بشكل يعين بما يساعد متخدي القرار على اتخاذ القرارات الصائبة فضلا عن تحول هذه الأوعية المعرفية فيما بعد الي سجلات لفتراتها وذاكرة لها
وفى ضوء ما شهدته بعض أقسام كليات الآداب من تطور تقنى يمكنها توظيف هذه التقنيات فى تدريب الكوادر المختلفة من الجهات التنفيذية فى مجالات تخصصها كدورات اللغات و الصحة النفسية ونظم المعلومات والتحليل الجغرافي والرصد الحضري والبيئي والاذاعة والتلفزيون والتسويق والمكتبات كما يمكنها المساهمة فى اعداد قواعد بيانات المحافظات ورسم خرائط تفاعلية لخدماتها المختلفة
وطبقا لطبيعة المحافظة التى تنتمي اليها الكلية يمكنها ايضا تقديم بعض من خدماتها التى تحتاج الي تركيز اكبر كما هو الحال فى مجالات محو الامية ومحاربة الادمان والزواج المبكر والمشكلة السكانية والتلوث البيئي والتكيف مع التغيرات المناخية ومحاربة التطرف الفكري والقضاء على اطفال الشوارع وترشيد الاستهلاك والمساهمة فى اعداد المشروعات المستقبلية
وعليه يمكن القول ان كليات الاداب بما تملكه من تخصصات متنوعة هي كليات خدمية فى المقام الأول فضلا عن كونها كليات التنوير بما تقدمه من اطروحات ووجهات نظر ونقاشات راقية ومتحضرة حول هموم البشرية
ومع ما يشهده العالم من تقدم تقني ورقمى وميكنة يظن البعض ان كليات الاداب في طريقها الى الافول وقد يكون ظنهم صوابا لكن هذا الظن فقط عند هؤلاء الذين ينظرون الى الشخص على انه الة صماء او شخص مميكن وما كان الانسان كذلك ولن يكون كذلك ابدا لكونه يحتاج الى ابعاد اخري حتى يكون انسانا وهذه الابعاد تشبعها كليات الآداب ومن يفري فريها