مساقط للنور
بقلم: عماد ابوزيد
وحيد مثل زقاق قديم، يحن إلى وقع أقدام الرجال، ورنات خلاخيل النساء، وصياح الأطفال. لاتزال البيوت القديمة واقفة، تتألف من دور أو دورين على الأكثر، تحتفظ بإمارات مجد بائد، منها ماهو مبني بالطوب اللبن، أو الطوب المحترق. الحوائط عريضة ليس فيها نتوء، أو بروز كأنها مصفوفة هندسية، ليست في حاجة إلى غفاء بالأسمنت، أو بياض، أو ألوان. وهناك بلكونات مقسمة هندسيًا بأشكال فنية بالغة الدقة، لاسيما في ذلك البيت الذي يقع على ناصية الشارع، أراد البنَّاء ألا يجعل العمارة تتشكل من زاويتين حادتين عند الناصية؛ فكسر حدة البناء المعهودة، ودخل بالبناية عند الناصية مترين تقريبا، ورسم على نقطتي الزاويتين خطًا مستقيمًا، أقام عليه حجرة ببلكونتها؛ بحيث تمتلك هذه الحجرة ترف الإطلالة على الشارعين معًا. الأبواب الخشبية للمباني تنبئ بكرم أهلها، الباب يزداد طولًا وعرضًا، محلى بزخارف نحاسية وخشبية بارزة، وبعض الأبواب تتضمن بابين معًا؛ حيث من الممكن أن يتم فتح الباب بكتلته الضخمة طولًا وعرضًا مرة واحدة، ومن الممكن الدخول عبر البيت من فتحة صغيرة داخل هذه الكتلة الخشبية المهولة. ولازالت مقابض الأبواب النحاسية الضخمة، بانتظار طرقها من قبل الغائبين. بات الغياب طويلًا، في وقت ما، كانت المطارق تلمع من كثرة الطرق، والأبواب الكبيرة تفتح حين يعود الرجال بالجمال أو الماشية، أو بعربات خشبية محملة بالزروع من الحقول، والأبواب الصغيرة تفتح حين يخرج الأجداد أو الآباء أو الأبناء فرادى. في يوم ما، كانت روائح قدور الطهي تفوح من النوافذ والأبواب، ومن بعض أجزاء سقوف البيوت، وقد تركت كمساقط للنور. في يوم ما، كان جدي يقيم في هذا البيت، كنت طفلًا صغيرًا، أنتظر ضحكته، وهو عائد من الغيط. أمسى البيت وحيدًا، وصرت وحيدًا. بين آن واخر، أقطع المسافات الطويلة إلى هذا الزقاق.