مولد الهدي ،،،،
بقلم د. سمير المصري
وُلد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على يد الشفا أم عبد الرحمن بن عوف،
وكانَ يرفعُ بصره للسماء ويضع يديه بالأرض وكأنه يسجد لله تعالى، ووصفت أمّه حملها به بأنّه كانَ سهلًا وهينًا ولم تجد ما تجده الحوامل من التعب،
وذهبت قابلته أم عبد الرحمن تُبشر عبد المطلب بولادتهِ فقالت له: “يا أبا الحارث ولد لك مولود عجيب فذعر عبد المطلب
وقال أليس بشراً سوياً؟ فقالت نعم ولكن سقط ساجداً ثم رفع رأسه وأصبعيه إلى السماء”، وأخذه للكعبة فعوذّه ودعا له وهو من أسماه محمد.[٤] ولما سُئل عبد المطلب عن سبب تسميته بهذا الاسم الذي لم يسبق لأحدٍ من آبائه فقال: “أني لأرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم”،
والسنةُ التي وُلد بها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كانت سنةَ ابتهاج وسرور بعدما كانت قريش في سنين ضيق وقحط، فجائتهم البشرات والمسرات مع ولادة الحبيب .
إن الصفات الخَلقية لرسول الله هي ما وصفه أصحابه بها وقد وردَ هذا في عدةِ أحاديثٍ صحيحة، منها ما رواه البراء بن عازب -رضي الله عنه- حيث قال :
“كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أحْسَنَ النَّاسِ وجْهًا وأَحْسَنَهُ خَلْقًا، ليسَ بالطَّوِيلِ البَائِنِ، ولَا بالقَصِيرِ”،ووصف علي بن أبي طالب رسول الله فقال :
“كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ضخمَ الرَّأسِ عظيمَ العَينَينِ هدبَ الأشفارِ مُشربَ العينِ بحُمرةٍ كثَّ اللِّحيةِ أزهرَ اللَّونِ إذا مشَى تَكَفَّأَ كأنَّما يمشي في صعدٍ وإذا التفتَ التفتَ جميعًا شَثنَ الكفَّينِ والقدمَينِ”،
فكان عليه الصلاة والسلام من أحسنِ الناس خِلقةً وأجملهم وجهًا، وهو مربوع الطول جميل الوجه.
اما عنصفات الرسول الخُلقية كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أفضل الناس وأكملهم أخلاقًا، فكان يُعرف بالمروءة والأمانة،
وكان يُحسن الجوار ويوفي بالعهد ويصدُق بالحديث، وكانَ عفيف النفس طاهر السريرة، وكانَ شجاعًا في ملاقاته أعداءه، ورحيمًا بالضعفاء والمساكين وكانَ حليمًا كريمًا، وكان رسول الله ذو رأيًّ سديد وعزم قوي وفكرٍ صائب،
وكان يعايش الناس بحسبِ حالهم وما يرى منهم؛ فإن وجدَ خيرًا شاركهم إياه وإن وجدَ شرًا اعتزلهم، ولقد أسماه قومه بالأمين، وقد أثنى الله تعالى على خُلقه حيث قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}،
فرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو أكملُ الناس وأفضلهم أخلاقًا .
كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قد أرسى قواعد ثابتة في المجتمع الإسلامي وتعامل مع الجميع وفقَ ذلك، وقد تدرجَ معهم في الدعوة الإسلامي وفي إبطال الأحكام للعادات التي كانت تنتشر عندهم وذلك كإبطال حكم التبني مثلًا، وكذلك فقد تعامل مع الجميع وفق القاعدة التي وضعها الله تعالى وهي أن التفاضل بالتقوى حيثُ قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}،
فلم يكن ينظر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الفوارق بين الناس، بل وضعَ أسس جديدة وميزانًا للعدل بين الناس، فكانوا يتحاكمون عند رسول الله ويرجعون إليه في كثيرٍ من الأمور.
وأما حياة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الخاصة وعلاقته مع زوجاته فهي مثالٌ للأُسرة المسلمة إلى هذا اليوم، فلا يوجد ألطف ولا أرقى من تعامل رسول الله مع أزواجه، فقد أخبرت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- إنه كان كريم الخلق كثير التبسم والضحك مع نسائه،
وقد حثَّ رسول الله في كثيرٍ من أحاديثه على حُسن معاملة الرجل لأهل بيته حيث قال: “أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا . وخيارُكم خيارُكم لنسائهم”
وعدَّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- خير الناس من كان فيه خيرًا لأهله وكان مُحسنًا لزوجه، وكان رسول الله في يساعد زوجته ويخدم نفسه وكان رحيمًا بنسائه.
كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- رحيمًا بأبنائه وبناته وذلكَ لأن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ماتوا أبناءه وهم صغارًا، ومن مواقف رحمته بأبناءه لما توفي ابنه إبراهيم بكى لوفاته وأدمعت عيناه وحزنَ حزنًا شديدًا على فراقه، وكيف لا يحزن هذا الحزن وهو الذي كان يأتي إليه وهو مع مجموعةٍ من الأطفال عندَ مُرضعةٍ لهم في المدينة فيأخذ ابنه يشمه ويُقبله ويأخذه إلى حضنه الشريف.
النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كانَ يستبشر بقدومهن ويفرح لذلك، ويتوسمُ فيهنَّ اليمن والبركة، واعتنى رسول الله ببناته حتى بعد زواجهنّ، فكان يحرص على زيارة بناته وإدخال السرور إلى قلوبهنّ
فقد روي أن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- زارَ فاطمة بعد زواجها ودعا لها ولزوجها وذريتها بأن يعيذهما الله من الشيطان الرجيم، وغيرها الكثير من المواقف التي تُظهر العلاقة التي تقوم على المحبة والأُلفة بين النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وبناته.
تعامل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع المنافقين وفق سياسةٍ واضحةٍ، فكان أول ذلك هو عدمُ توليتهم على المُسلمين، فلم يُذكر أن رسول الله قد ولّى منافقًا، وإن كان رسول الله قد سمعَ منهم ما يشيرون به عليه، وكانَ يعمل رسول الله على دعوتهم واستصلاحهم ليكونوا فاعلين في المجتمع ويكون ممن يسعونَ لبناءه، كما عملَ رسول الله على تنبيه المسلمين من النفاق.
وتدرج النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع المنافقين، ففي البداية قبلَ منهم علانيتهم وترك ما يبطنون بينهم وبين الله، ولم يجادلهم إلا بالحجة والأدلة القاطعة، بعدها أعرض عنهم وبدأَ يُظهر لهم الغلظة والشدة،
والله تعالى نهى نبيه أن يُصلي على أحدٍ منهم أو يقوم على قبر أحدٍ منهم، وحتى أنذره بأن لا يستغفر لأحدٍ منهم لأنّه لن يغفر لهم، حتى بدأ المنافقون بالتمادي في نفاقهم والتطاول على أمن المجتمع الإسلامي ومصلحة الدولة الذي كان قد سكت عنهم رسول الله كل هذه المدة من أجله؛ فتآمروا على رسول الله وحاربوا الإسلام علانيةً، فعندها غيّر رسول الله تعامله معهم وجاء الرد الصريح على نفاقهم.
يمكن اختصار كيفية تعامل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع خصومه كما ما جاء في حديث بريدة عن رسول الله أنه كانَ إذا وضعَ أميرًا على سرية أو جيش يوصيه بتقوى الله في تعامله مع من هم أعداءٌ للإسلام، وكانَ يأمرهم بأن لا يغلو ولا يغدروا بهم، ولا يمثلوا فيهم وكان عليه الصلاة والسلام يأمرهم بأن لا يقتلوا الأطفال،
وكان يدعوا أعداءه للإسلام فإن أسلموا صفح عنهم وكانوا كحال المسلمين، وكان يدعوهم للهجرة للمدينة ليسكنوا مساكن المسلمين، وإن لم يستجيبوا لدعوته فهم كباقي من أراد قتال رسول الله.
كل عام وانتم بخير …..
#دسميرالمصري