يا ايها الفاسدين
المنصب تكليف وليس تشريف
بقلم دكتور حسان ابو جازية
لكل إنسان طموح مشروع يسعى إليه؛ وآمال في الحياة يتمنى أن تتحقق، ويمثّل هذا الأمر لغالبية الناس المُحرّك الفعلي لحياتهم والدافع الرئيسي لتقدمهم نحو مستقبلٍ أفضل.
والتسابق لنيل المنى وتحقيق الأمل أمرٌ مشروع بين سائر البشر مادام يجري وفق شروطٍ عادلة من المنافسة الشريفة، غير أن مالا يُحمد أبداً تلك الطرق الملتوية التي يسلكها البعض لتحقيق رغباته وطموحاته، ويظلون في سباقٍ محموم للوصول إلى كرسي وظيفةٍ مرموقة، أو منصبٍ مسؤول وهؤلاء هم الفاسدون
من هنا نقول أن المنصب أو الوظيفة أو العمل الذي يتبوؤه الإنسان هو تكليف له بأمرٍ ينبغي أن يقوم به على أكمل وجه، إنه مسؤولية يتطلع بها تجاه مجتمعه. ولم يكن المنصب في حقيقة الأمر تكريماً وتشريفاً وامتيازاً لأحدٍ أبداً، طبعاً هذا الكلام مؤكدٌ في الحقيقة وإن اختلف في كثير من الأحيان على أرض الواقع نتيجة فسادٍ ما هنا وهناك.
ولا شك أن ارتفاع الإنسان من درجةٍ وظيفيةٍ إلى درجةٍ أعلى وأكبر مسؤولية يُعطي مؤشراً على قدرة الـمُكَلَّف بذلك المنصب غير أنه لا يُعطيه الحق بالتقاعس والتكبر وعدم القيام بالعمل، ولا يُعطيه الحق باستغلال منصبه كوسيلةٍ للكسب غير المشروع أو لتمرير أمور ما كانت لتمر لولا وجوده في ذلك المنصب
إن المنصب ليس تاجاً يضعه المسؤول على رأسه وليس عرشاً يعتلي عليه ليأمر وينهى؛ بل هو خدمةٍ لقضاء حوائج الناس وليخدم المجتمع الذي وضعه في ذلك المنصب
. وكذلك انتخاب الناس لشخصٍ ما يُعتبر ثقةً منهم بهذا الشخص لتحقيق متطلباتهم المُحِقة وهذا بحدِّ ذاته يمنحه قيمةً عظيمة غير أن ما يُرقيه ويجعله في مصاف العظماء هو قيامه بواجبه على الوجه الأمثل. وتاريخ الأمة العربية والإسلامية مليء بشخصيات قاموا بواجبهم على أكمل وجه فكانوا أكبر من مناصبهم واستحقوا بذلك الخلود في تاريخنا والأجر العظيم عند ربنا.
وقد رُوي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ( إن لله خلقاً خلقهم لقضاء حوائج الناس، آلى على نفسه ألا يعذِّبهم بالنار )، وورد أيضاً في الخبر (طوبى لمن قُدِّرَ على يديه خيراً ، وويل لمن قُدِّرَ على يديه شراً ) رواه ابن وهب في القدر.
فيا أيها الإنسان: كن طموحاً لأي رتّبةٍ شئت؛ على أن تعلم أنها تكليف وليست تشريفاً. فالمنصب ماضٍ، والرتبة ماضية، والجاهُ ماضٍ، جميعهم إلى زوال، وما أبعد الماضي مهما كان قريباً، وما أقرب الآتي مهما كان بعيداً، كل شيء سيمضي؛ وسيبقى عملك لصيقاً بك، شاهداً عليك، فاعمل لما هو آت؛ واحذر الذلات، افعل الخير من موقعك الذي أنت فيه، ولا تنتظر تكريماً من آدمي، فالخالق العظيم هو الذي سيُكرمك في الدارين، وسيُفشي بين الناس ذكرك الحسن؛ وهذا الأمر مجرّب لكلِّ من أحسن ظنّه بالله تعالى.